تُعد الشرى أو الارتيكاريا من المشكلات الجلدية الشائعة التي تصيب حوالي 20% من الناس في مرحلة ما من حياتهم. تتميز هذه الحالة بظهور انتفاخات حمراء مثيرة للحكة على الجلد تشبه لدغات النحل أو الحساسية الناتجة عن ملامسة نبات القراص. قد تظهر هذه البقع فجأة وتختفي بسرعة، أو تستمر لفترات طويلة مسببة إزعاجاً كبيراً للمصاب.
تختلف الشرى في شدتها وأسبابها من شخص لآخر، فقد تكون حالة بسيطة تزول من تلقاء نفسها خلال ساعات، أو قد تتحول إلى مشكلة مزمنة تستمر لأسابيع أو شهور أو حتى سنوات. ورغم أنها ليست معدية أو خطيرة في معظم الحالات، إلا أن معرفة أسبابها وكيفية علاجها يساعد كثيراً في التخفيف من آثارها والسيطرة عليها.
فالنبدأ بالتعرف على هذه الحالة وأعراضها المميزة، والأسباب المحتملة وراء ظهورها، وصولاً إلى طرق العلاج المختلفة والنصائح للتعايش.
محتويات الموضوع
ماهي الارتكاريا (الشرى)؟
الارتيكاريا، المعروفة أيضاً باسم الشرى، هي حالة جلدية تتميز بظهور انتفاخات أو بقع حمراء أو وردية اللون على سطح الجلد، تكون مصحوبة عادة بحكة شديدة. تُشبه هذه البقع في مظهرها لدغات النحل أو الحساسية الناتجة عن ملامسة نبات القراص (ومن هنا جاءت تسمية “الارتكاريا” من الكلمة اللاتينية “urtica” التي تعني نبات القراص).[1][nih]الشرى
هذا الرابط سوف ينقلك الى موقع خارجي له سياسة خصوصية وشروط خاصة
خصائص الشرى ومظهره:
- شكل البقع: عبارة عن انتفاخات محددة الحواف، ذات لون أحمر أو وردي، محاطة غالباً بهالة حمراء.
- الحجم: قد تتراوح من بقع صغيرة بحجم رأس الدبوس إلى بقع كبيرة قد تصل لعدة سنتيمترات.
- مناطق الإصابة: يمكن أن تظهر في أي منطقة من الجسم، بما في ذلك الوجه، الأطراف، الجذع، وحتى داخل الفم أو على الشفتين.
- الطبيعة المتغيرة: من أهم خصائص الشرى أن البقع غالباً ما تظهر فجأة وتختفي بسرعة، وقد تتغير أماكنها بشكل مستمر.
- المدة: عادة ما تختفي البقعة الواحدة خلال 24 ساعة، لكن قد تظهر بقع جديدة في أماكن أخرى.
قد لا تظهر خلايا النحل دائمًا على شكل نتوءات. فقد تتظهر على شكل بقع صغيرة، او خطوط رفيعة مرتفعة.
الأعراض المصاحبة للشرى:
- الحكة الشديدة: وهي أكثر الأعراض إزعاجاً، وقد تزداد سوءاً ليلاً أو عند التعرض للحرارة.
- الشعور بالحرقان: في بعض الحالات، يصاحب البقع شعور بالحرقان في منطقة الإصابة.
- الوذمة الوعائية: في الحالات الأكثر شدة، قد يصاحب الشرى تورم في الأنسجة العميقة للجلد، خاصة في منطقة العينين والشفتين واليدين والقدمين، وهذه الحالة تُعرف بالوذمة الوعائية.
آلية حدوث الشرى:
تحدث الارتيكاريا نتيجة إطلاق الهيستامين ومواد كيميائية أخرى من خلايا معينة في الجلد تُسمى الخلايا البدينة (Mast cells). عندما تُطلق هذه المواد، تتسبب في:
- توسع الأوعية الدموية الصغيرة وزيادة تدفق الدم (مما يؤدي للاحمرار).
- تسرب السوائل من الأوعية الدموية إلى الأنسجة المحيطة (مما يؤدي للانتفاخ).
- تهيّج النهايات العصبية (مما يسبب الحكة والشعور بالحرقان).
أنواع الارتيكاريا:
- الارتيكاريا الحادة: تستمر لأقل من 6 أسابيع، وغالباً ما تكون ناتجة عن رد فعل تحسسي لطعام أو دواء أو عدوى.
- الارتكاريا المزمنة: تستمر لأكثر من 6 أسابيع، وقد تدوم لشهور أو سنوات، وغالباً ما يكون من الصعب تحديد سببها.
- الارتكاريا الفيزيائية: تنتج عن تحفيز فيزيائي للجلد مثل:
- الباردة (التعرض للبرودة).
- الحرارية (التعرض للحرارة).
- الضغطية (الضغط على الجلد).
- الشمسية (التعرض لأشعة الشمس).
- ارتيكاريا التعرق (بعد التمارين الرياضية).
الشرى، رغم إزعاجه، لا يترك ندوباً على الجلد ولا يسبب تلفاً دائماً للبشرة، وهذا ما يميزه عن بعض الحالات الجلدية الأخرى.

أسباب الإصابة بالشرى (الارتيكاريا)
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بالشرى، وفي كثير من الحالات، قد لا يتمكن الأطباء من تحديد السبب الدقيق خاصة في حالات الارتكاريا المزمن. ومع ذلك، يمكن تصنيف الأسباب إلى عدة مجموعات رئيسية:
1. الحساسية الغذائية
تعتبر الحساسية الغذائية من أشهر أسباب الشرى الحاد، حيث قد تظهر الأعراض خلال دقائق أو ساعات من تناول الطعام المسبب للحساسية. ومن أبرز الأطعمة التي قد تسبب الشرى:
- المأكولات البحرية: خاصة المحار، الجمبري، السلمون.
- المكسرات: وخاصة الفول السوداني واللوز والكاجو.
- البيض.
- منتجات الألبان.
- القمح ومشتقاته.
- الفراولة والحمضيات والموز.
- الشوكولاتة.
- الأطعمة التي تحتوي على مواد حافظة أو ألوان صناعية.
2. الأدوية والعقاقير
قد تتسبب بعض الأدوية في ظهور الشرى كأحد الآثار الجانبية أو كرد فعل تحسسي، ومن أهمها:
- المضادات الحيوية: خاصة البنسلين والسلفا.
- مسكنات الألم غير الستيروئيدية: مثل الأسبرين والإيبوبروفين.
- مميعات الدم: مثل الهيبارين.
- أدوية ضغط الدم: وخاصة مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE Inhibitors).
- بعض المهدئات والمخدرات.
- حقن التباين المستخدمة في الأشعة التشخيصية.
3. المؤثرات البيئية والفيزيائية:
- حبوب اللقاح وغبار الطلع.
- وبر الحيوانات.
- لدغات الحشرات.
- لمس بعض النباتات: مثل الصبار أو نبات القراص.
- التعرض للمواد الكيميائية: مثل المنظفات، العطور، مستحضرات التجميل، الصبغات.
- العوامل الفيزيائية: البرودة، الحرارة، ضغط الجلد، أشعة الشمس، الاحتكاك، الماء.
4. العوامل الصحية:
- الالتهابات: الفيروسية مثل نزلات البرد والانفلونزا، أو البكتيرية مثل التهابات الجيوب الأنفية، أو الطفيلية مثل داء المشعرات.
- الاضطرابات المناعية: مثل الذئبة الحمراء، التهاب المفاصل الروماتويدي، أمراض الغدة الدرقية.
- بعض أنواع السرطانات: خاصة سرطانات الدم والغدد الليمفاوية.
- التهاب الكبد المزمن.
- بعض اضطرابات الجهاز الهضمي: مثل التهاب القولون التقرحي ومرض كرون.
5. العوامل النفسية والهرمونية:
- التوتر والقلق: يمكن أن يؤدي الضغط النفسي إلى تفاقم الأعراض أو إطلاق نوبات الارتكاريا.
- التغيرات الهرمونية: مثل فترات الدورة الشهرية، الحمل، انقطاع الطمث.
- الاضطرابات الهرمونية: مثل قصور الغدة الدرقية أو فرط نشاطها.
6. الشرى مجهول السبب:
في حوالي 80-90% من حالات الشرى المزمن، لا يمكن تحديد سبب واضح للإصابة، وتُعرف هذه الحالة باسم “الشرى المزمن مجهول السبب” (Chronic Spontaneous Urticaria). يُعتقد أن معظم هذه الحالات ناتجة عن اضطرابات في جهاز المناعة، حيث تهاجم الأجسام المضادة الذاتية مستقبلات الهيستامين أو الخلايا البدينة نفسها، مما يؤدي إلى إطلاق الهيستامين والمواد الكيميائية الأخرى المسببة للشرى.
يعد تحديد السبب الدقيق للشرى خطوة مهمة في العلاج، خاصة في حالات الشرى الحاد. يمكن للمصاب أن يساعد في هذه العملية من خلال:
- الاحتفاظ بمذكرات يومية لتسجيل الأطعمة المتناولة، الأدوية، الأنشطة، التعرض للمحفزات البيئية، وأوقات ظهور الشرى.
- مراقبة نمط الأعراض من حيث التوقيت (صباحاً/مساءً)، الظروف المصاحبة، مدة الاستمرار.
- الخضوع لفحوصات الحساسية التي قد يطلبها الطبيب لتحديد المواد المحفزة.
من المهم ملاحظة أن تجنب المسببات، متى أمكن تحديدها، يعد الخطوة الأولى والأهم في علاج الشرى والوقاية من تكرار الإصابة به.
كيفية التعامل مع الارتكاريا وطرق التخفيف منها
رغم أن الارتكاريا قد تظهر بشكل مفاجئ وتسبب إزعاجًا ملحوظًا، إلا أن التعامل معها يعتمد بدرجة كبيرة على فهم طبيعة الحالة وتحديد المحفزات المحتملة. في كثير من الحالات، يمكن اتخاذ خطوات بسيطة للتقليل من الأعراض أو حتى منع تكرارها.
فيما يلي أبرز الطرق غير العلاجية التي تساعد على التخفيف من حدة الارتكاريا:
- تجنّب المحفزات المحتملة
يُعد التعرف على السبب خطوة أساسية في الوقاية. يُنصح بمراقبة النظام الغذائي، والأنشطة اليومية، وأي تغييرات حديثة قد تواكب ظهور الأعراض. تدوين ملاحظات يومية قد يساعد على ربط الحالة بمحفز معين. - التهدئة الفورية للجلد
- استخدام كمادات باردة أو قطعة قماش مبللة لتخفيف الحكة والتورم.
- تجنّب حك الجلد لتفادي تهيج الحالة وزيادة الالتهاب.
- ارتداء ملابس قطنية وفضفاضة لتجنب الاحتكاك الزائد بالبشرة.
- ضبط العوامل البيئية
- الحفاظ على درجة حرارة معتدلة في المكان المحيط.
- تجنّب الاستحمام بمياه ساخنة جدًا.
- الحد من التعرض لأشعة الشمس المباشرة في حالة الارتيكاريا الشمسية.
- تقليل التوتر والضغط النفسي
الضغوط النفسية قد تساهم في تحفيز بعض حالات الارتكاريا، لذا فإن اعتماد تقنيات الاسترخاء، مثل التأمل أو التنفس العميق، قد يكون له أثر إيجابي على استقرار الحالة. - الاهتمام بالنظام الغذائي
اختيار الأطعمة البسيطة وتجنّب المواد الحافظة أو المكونات المثيرة للحساسية يمكن أن يساعد على تقليل نوبات الشرى، خاصة لمن يعانون من ارتكاريا غذائية.
في حال استمرار الأعراض أو اشتدادها، يُفضل مراجعة طبيب مختص لتحديد العلاج المناسب بناءً على التشخيص الدقيق.
الأسئلة الشائعة
حول الأرتيكاريا (الشرى): إجابات الأسئلة الشائعة
هل الشرى معدٍ؟
لا، الشرى ليس مرضاً معدياً على الإطلاق. لا يمكن انتقال الشرى من شخص لآخر عن طريق الملامسة أو أي طريقة أخرى، فهو عبارة عن استجابة مناعية فردية للجسم تجاه محفزات معينة.
هل يمكن أن يصيب الشرى الأطفال؟
نعم، يمكن أن يصيب الشرى الأطفال في أي عمر، بما في ذلك الرضع. عند الأطفال، غالباً ما يكون سبب الشرى هو الحساسية الغذائية أو العدوى الفيروسية. يتطلب تشخيص وعلاج الشرى عند الأطفال خبرة خاصة من طبيب الأطفال أو اختصاصي الحساسية.
ما الفرق بين الشرى والإكزيما؟
رغم أن كليهما حالات جلدية مثيرة للحكة، إلا أنهما مختلفان تماماً. الشرى يظهر كبقع منتفخة حمراء تظهر وتختفي بسرعة (غالباً خلال 24 ساعة للبقعة الواحدة)، بينما الإكزيما تظهر كبقع جافة متقشرة وملتهبة تستمر لفترات أطول وقد تؤدي لتغيرات دائمة في الجلد.
هل يمكن الشفاء التام من الشرى المزمن؟
على عكس الشرى الحاد الذي يزول عادة خلال أسابيع، الشرى المزمن قد يستمر لسنوات. ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن حوالي 50% من حالات الشرى المزمن تتحسن تلقائياً خلال سنة، وأكثر من 80% تختفي خلال 5 سنوات. العلاج المناسب والمستمر يمكن أن يساعد في السيطرة على الأعراض والتعايش مع الحالة.
كيف يمكن التمييز بين الشرى وحالات الطفح الجلدي الأخرى؟
الشرى يتميز بخصائص فريدة: انتفاخات محددة الحواف، تغير أماكنها بسرعة، وعادة ما تختفي البقعة الواحدة خلال 24 ساعة دون ترك أثر. إذا ضغطت على منتصف البقعة في الشرى، يتحول لونها من الأحمر إلى الأبيض (يُعرف بـ “ظاهرة الابيضاض”)، وهي علامة مميزة للشرى.
خاتمة
تعتبر الارتكاريا (الشرى) من الحالات الجلدية الشائعة التي قد تؤثر على حياة العديد من الأشخاص بشكل مؤقت أو مزمن. ورغم أنها قد تسبب الحكة والانزعاج، إلا أن معظم الحالات يمكن إدارتها بسهولة من خلال التعرف على المحفزات والتعامل مع الأعراض بطريقة مناسبة. من المهم دائمًا متابعة تطورات الحالة بعناية، وفي حال استمرار الأعراض أو تفاقمها، يُنصح بالتوجه إلى الطبيب للحصول على تشخيص دقيق وعلاج فعال.
مع مرور الوقت، يمكن لمعظم الأشخاص التعايش مع هذه الحالة بشكل جيد من خلال اتخاذ التدابير الوقائية والاحتياطات اللازمة. ومهما كانت الأسباب الكامنة وراء ظهور الشرى، يبقى الوعي بالمرض والتصرف بحذر هو الخطوة الأولى نحو التخفيف من تأثيراته.
هل سبق لك أن عانيت من الارتكاريا؟ وكيف كانت تجربتك في التعامل معها؟ شاركنا تجربتك في التعليقات أدناه!