في عالم يشهد تزايداً مستمراً في معدلات السمنة والسكري، أصبحت بدائل السكر الصناعية ملاذاً للكثيرين الراغبين في تقليل استهلاكهم للسكريات مع الاحتفاظ بمذاق الحلاوة المحبب. هذه البدائل، التي تُعرف أيضاً باسم المُحليات غير السكرية أو المُحليات الصناعية، تقدم نفسها كخيار منخفض السعرات الحرارية أو خالٍ منها تماماً، مما يجعلها جذابة لمن يتبعون حميات غذائية معينة أو يعانون من اضطرابات التمثيل الغذائي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل هذه البدائل آمنة حقاً كما يُروج لها؟ أم أنها تخفي وراء حلاوتها مخاطر صحية قد تفوق فوائدها المزعومة؟ خلال العقود الماضية، أثارت الدراسات العلمية والأبحاث الطبية جدلاً واسعاً حول تأثيرات هذه المواد على الصحة العامة، مع تضارب النتائج والآراء بين مؤيد ومعارض.
محتويات الموضوع
هذا المقال يسلّط الضوء على أبرز أنواع بدائل السكر الصناعية، ويستعرض الأدلة العلمية المتعلقة بسلامتها أو مخاطرها المحتملة، لنساعدك على اتخاذ قرارات غذائية مدروسة بناءً على حقائق دقيقة ومحدثة.
ما هي بدائل السكر الصناعية؟
المُحليات الصناعية هي مواد تُستخدم كبدائل للسكر الطبيعي، وتُصنع غالبًا من خلال تفاعلات كيميائية في المختبر. تُعرف هذه المحليات بكونها أكثر حلاوة بعشرات أو مئات المرات من السكر العادي، ومعظمها يوفر سعرات حرارية قليلة جداً أو منعدمة للجسم، حيث إن الجهاز الهضمي غالباً لا يستطيع تحليلها أو امتصاصها بشكل كامل.[1][nutritionj]النتائج الصحية للمحليات غير الغذائية
هذا الرابط سوف ينقلك الى موقع خارجي له سياسة خصوصية وشروط خاصة
اكتشافها بالصدفة
كثير من بدائل السكر الصناعية اكتُشفت عن طريق المصادفة أثناء أبحاث في مجالات أخرى:
- السكارين (Saccharin): تم اكتشافه في عام 1879 من قِبل العالمين كونستانتين فالبرغ وإيرا رمسن في جامعة جونز هوبكنز أثناء تحضير مشتقات من قطران الفحم.
- السيكلامات (Cyclamates): اكتشفه الباحث مايكل سفيدا في جامعة إلينوي عام 1937 أثناء العمل على تطوير دواء خافض للحرارة.
- الأسبارتام (Aspartame): اكتشفه الباحث جيمس شلاتر عام 1965 خلال تطوير دواء مضاد للقرحة، عندما لاحظ الطعم الحلو للمركب بالصدفة.
- السكرالوز (Sucralose): تم اكتشافه عام 1976 في مختبرات جامعة كوين ماري في لندن عندما قام أحد الباحثين بتذوق المركب بطريق الخطأ أثناء تطوير مواد كيميائية مشتقة من السكر.
الأنواع الشائعة من بدائل السكر الصناعية
توجد أنواع مختلفة من المحليات الصناعية، لكن ليست جميعها معتمدة للاستخدام في كل الدول. من أشهر هذه المحليات:
- الأسبارتام (Aspartame): يُسوق تجارياً تحت أسماء مثل NutraSweet وEqual وSugar Twin، وهو أحلى من السكر العادي بحوالي 200 مرة. يُستخدم لتحلية المشروبات والأطعمة الباردة، ولا يتحمل الحرارة العالية مما يجعله غير مناسب للطهي.
- أسيسولفام البوتاسيوم (Acesulfame Potassium): يُعرف أيضاً باسم Ace-K، ويُسوق تجارياً تحت أسماء Sunnet وSweet One. حلاوته تفوق السكر العادي بنحو 200 مرة، ويتميز بقدرته على تحمل الطهي والخبز.
- أدفانتام (Advantame): من أحدث المحليات الصناعية وأكثرها حلاوة، حيث يفوق السكر العادي بنحو 20,000 مرة. تمت الموافقة عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في عام 2014، وهو مثالي للطهي والخبز بفضل ثباته الحراري.
- ملح الأسبارتام-أسيسولفام (Aspartame-Acesulfame Salt): يُسوق تجارياً باسم Twinsweet، وهو مزيج من محليين صناعيين يوفر حلاوة تفوق السكر بنحو 350 مرة. يُستخدم غالباً في المشروبات والأطعمة الجاهزة.
- السيكلامات (Cyclamates): أحلى من السكر بحوالي 30-50 مرة، ويُستخدم للطهي والخبز. محظور في الولايات المتحدة منذ عام 1969، لكنه لا يزال مستخدماً في أكثر من 50 دولة حول العالم.
- نيوتام (Neotame): يُسوق تجارياً باسم Newtame، وهو مشتق من الأسبارتام لكنه أكثر استقراراً وأحلى بكثير، حيث يفوق السكر بنحو 7,000-13,000 مرة. مناسب للطبخ والمخبوزات نظراً لثباته الحراري.
- نيوهيسبيريدين ديهيدروكالكون (Neohesperidin Dihydrochalcone): مركب شبه صناعي مشتق من الحمضيات، أحلى من السكر بنحو 340 مرة. مناسب بشكل خاص للأطعمة الحمضية والمخبوزات.
- السكارين (Saccharin): يُسوق تجارياً تحت أسماء Sweet’N Low وSweet Twin، وهو أحلى من السكر بحوالي 300-400 مرة. يُستخدم بشكل أساسي لتحلية المشروبات ويتميز بعمر تخزين طويل.
- السكرالوز (Sucralose): يُسوق تجارياً باسم Splenda، وهو أحلى من السكر بحوالي 600 مرة. يتميز بقدرته على تحمل الطهي والخبز ويمكن إضافته إلى الأطعمة الحمضية دون أن يتحلل.
- ألتيم (Alitame): محلي صناعي قوي يفوق السكر بنحو 2,000 مرة في الحلاوة. لم تتم الموافقة عليه بعد في الولايات المتحدة، لكنه مستخدم في بعض البلدان الأخرى.
الاستخدامات الشائعة لبدائل السكر
تُستخدم بدائل السكر الصناعية في مجموعة واسعة من المنتجات الغذائية والاستهلاكية، منها:
- المشروبات الغازية والعصائر “دايت” أو “زيرو”
- منتجات الألبان منخفضة السعرات الحرارية
- الحلويات والمخبوزات “الخالية من السكر”
- العلكة والحلوى الخالية من السكر
- أدوية السعال والفيتامينات
- منتجات العناية بالفم كمعاجين الأسنان وغسول الفم
- المكملات الغذائية والمشروبات الرياضية
- مُحليات المائدة المستخدمة منزلياً
كيفية التعرف على بدائل السكر في المنتجات
يمكن التعرف على وجود بدائل السكر الصناعية في المنتجات من خلال قراءة ملصقات المكونات. عادةً ما يشار إليها بأسمائها التجارية أو العلمية، أو من خلال عبارات مثل “خالٍ من السكر”، “دايت”، “لايت”، أو “منخفض السعرات الحرارية”. كما أن المنتجات التي تحتوي على هذه المحليات غالباً ما تحمل معلومات إضافية عن قيمها الغذائية المنخفضة مقارنة بالمنتجات المماثلة المُحلاة بالسكر العادي.
مخاطر بدائل السكر والمحليات الصناعية
على الرغم من اعتماد المحليات الصناعية من قبل الهيئات التنظيمية في معظم دول العالم، إلا أن الجدل العلمي حول مدى سلامتها على المدى الطويل لا يزال مستمراً.[2][NIH]المحليات الصناعية كبديل للسكر: هل هي آمنة حقا؟
هذا الرابط سوف ينقلك الى موقع خارجي له سياسة خصوصية وشروط خاصة فيما يلي استعراض للمخاوف الصحية المحتملة المرتبطة باستهلاك هذه المحليات:
1. تأثيرات على ميكروبيوم الأمعاء
تشير دراسات حديثة إلى أن المحليات الصناعية قد تؤثر سلباً على بكتيريا الأمعاء النافعة:
- اختلال التوازن البكتيري: أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Nature عام 2022 أن بعض المحليات الصناعية مثل السكرالوز والأسبارتام قد تغير تركيبة البكتيريا المعوية، مما يؤدي إلى خلل في التوازن البكتيري (dysbiosis).
- التأثير على وظيفة الحاجز المعوي: بعض الأبحاث تشير إلى أن الاستهلاك المنتظم للمحليات الصناعية قد يضعف وظيفة الحاجز المعوي، مما يزيد من نفاذية الأمعاء ويسمح بتسرب مواد ضارة إلى مجرى الدم.
2. مقاومة الأنسولين واضطرابات التمثيل الغذائي
على عكس المتوقع، قد ترتبط المحليات الصناعية بزيادة مخاطر اضطرابات التمثيل الغذائي:
- اضطراب استجابة الجلوكوز: كشفت دراسة نُشرت في مجلة Cell عام 2014 أن استهلاك المحليات الصناعية قد يؤدي إلى عدم تحمل الجلوكوز من خلال تغيير ميكروبيوم الأمعاء.
- ارتباط محتمل بمرض السكري من النوع الثاني: أظهرت دراسة طويلة المدى أجريت على أكثر من 66,000 امرأة ونُشرت في American Journal of Clinical Nutrition أن النساء اللواتي يشربن مشروبات محلاة صناعياً بانتظام كن أكثر عرضة للإصابة بالسكري من النوع الثاني بنسبة 36٪ مقارنة بمن لا يستهلكنها.
3. زيادة الشهية والوزن
على الرغم من تسويقها كوسيلة لتقليل السعرات الحرارية، فإن المحليات الصناعية قد تكون لها آثار معاكسة:
- تعطيل آليات الشبع: قد تؤدي المحليات الصناعية إلى تعطيل العلاقة الطبيعية بين الطعم الحلو والسعرات الحرارية، مما يؤدي إلى اضطراب آليات الشبع وزيادة الشهية.
- ارتباط محتمل بزيادة الوزن: تشير بعض الدراسات الاستقصائية إلى وجود علاقة بين استهلاك المحليات الصناعية بانتظام وزيادة محيط الخصر والسمنة.
4. تأثيرات عصبية وسلوكية
بعض المحليات الصناعية قد تؤثر على الدماغ ووظائفه:
- تأثيرات على المزاج: بعض الدراسات ربطت بين استهلاك الأسبارتام وزيادة أعراض الاكتئاب والقلق لدى بعض الأفراد.
- صداع وآلام الرأس: تعتبر الصداع من الآثار الجانبية المحتملة للأسبارتام، وقد تم توثيق ذلك في عدة دراسات سريرية.
5. مخاطر محددة لمحليات معينة
- الأسبارتام: يحتوي على حمض الفينيل ألانين، وهو خطر على المصابين بمرض فينيل كيتونوريا (PKU). أثارت دراسة نُشرت في مجلة JAMA Oncology عام 2023 مخاوف حول احتمالية زيادة خطر الإصابة بسرطان الكبد، لكن هذه النتائج لا تزال محل نقاش.
- السكارين: ارتبط في بعض الدراسات القديمة على الحيوانات بمخاطر الإصابة بسرطان المثانة عند الجرعات العالية جداً، لكن الدراسات البشرية لم تؤكد هذه المخاوف.
- السيكلامات: تم حظره في الولايات المتحدة منذ عام 1969 بسبب مخاوف من ارتباطه بسرطان المثانة في دراسات على الحيوانات، رغم أنه لا يزال مستخدماً في أكثر من 50 دولة أخرى.
6. المخاطر أثناء الحمل والرضاعة
- انتقال عبر المشيمة: بعض المحليات الصناعية مثل الأسبارتام قد تعبر المشيمة، مما يعرض الجنين لمكوناتها.
- الوجود في حليب الأم: تم العثور على آثار بعض المحليات الصناعية في حليب الأم، مما يثير مخاوف بشأن التأثيرات المحتملة على الرضع.
7. الحساسية والتفاعلات التحسسية
تفاعلات الحساسية: قد تسبب بعض المحليات الصناعية، وخاصة الأسبارتام، تفاعلات تحسسية لدى بعض الأشخاص، بما في ذلك الطفح الجلدي والحكة.
8. تأثيرات على البيئة
تلوث المياه: تم اكتشاف بقايا من المحليات الصناعية مثل السكرالوز في الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية، حيث أنها لا تتحلل بسهولة في البيئة.
الجدل حول البحث العلمي
من المهم الإشارة إلى أن البحث في مجال سلامة المحليات الصناعية يواجه تحديات منهجية:
- تناقض النتائج: غالباً ما تقدم الدراسات المختلفة نتائج متضاربة، مما يجعل استخلاص استنتاجات قاطعة أمراً صعباً.
- مشكلات منهجية: كثير من الدراسات تعتمد على بيانات استقصائية ذاتية الإبلاغ أو نماذج حيوانية، مما يحد من إمكانية تعميم النتائج على البشر.
- تأثير التمويل: هناك مخاوف من أن بعض الدراسات التي تمولها صناعة الأغذية والمشروبات قد تكون متحيزة لصالح المحليات الصناعية.
موقف الهيئات التنظيمية العالمية
معظم الهيئات التنظيمية العالمية تعتبر المحليات الصناعية المعتمدة آمنة للاستهلاك ضمن الحدود اليومية الموصى بها:
- إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA): تعتبر المحليات الصناعية المعتمدة آمنة للاستهلاك البشري، لكنها وضعت كميات استهلاك يومية مقبولة (ADI) لكل محلي.
- الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA): راجعت سلامة المحليات الصناعية المعتمدة في الاتحاد الأوروبي وحددت مستويات استهلاك آمنة.
- منظمة الصحة العالمية (WHO): أصدرت في يوليو 2023 توصية بعدم استخدام المحليات الصناعية للتحكم في الوزن، مشيرة إلى أن الفوائد طويلة المدى غير مؤكدة وقد تكون هناك آثار سلبية محتملة.
نصائح هامة عند استخدام بدائل السكر
- الاعتدال: تجنب الإفراط في استهلاك المحليات الصناعية، حتى لو كانت خالية من السعرات الحرارية.
- تنويع البدائل: يمكن استخدام المحليات الطبيعية مثل ستيفيا أو العسل بكميات معتدلة كبديل أكثر أمانًا.
- الانتباه إلى التحذيرات: تابع الإرشادات الموصى بها من قِبل المنظمات الصحية حول الحد الأقصى اليومي المسموح به من كل نوع.
الأسئلة الشائعة
حول بدائل السكر الصناعية: إجابات الأسئلة الشائعة
كيف أعرف إذا كان المنتج يحتوي على محليات صناعية إذا لم يذكر ذلك بوضوح على الملصق؟
ابحث عن المصطلحات التالية على قائمة المكونات: أسبارتام (E951)، سكرالوز (E955)، أسيسولفام-ك (E950)، سكارين (E954)، ستيفيول غليكوسيدات (E960). المنتجات التي تحمل عبارات “دايت”، “لايت”، “قليل السعرات” أو “بدون سكر مضاف” غالباً ما تحتوي على هذه المحليات.
هل يمكن للمحليات الصناعية أن تسبب الرغبة الشديدة في تناول الحلويات؟
نعم، تشير بعض الدراسات إلى أن المحليات الصناعية قد تعزز الرغبة في تناول الأطعمة الحلوة عن طريق تحفيز مستقبلات الحلاوة دون توفير السعرات الحرارية المتوقعة، مما يؤدي إلى اضطراب آليات المكافأة في الدماغ وزيادة الرغبة في تناول السكريات اللاحقة.
هل تتحلل المحليات الصناعية عند استخدامها في الطهي؟
بعض أنواع المحليات مثل الأسبارتام قد تتحلل عند التعرض للحرارة العالية أو داخل الجسم، ويتم التخلص منها عبر الكلى. لذا فإن استخدام مثل هذه المحليات قد يكون غير مناسب لمرضى الكلى المزمنين. في المقابل، قد تكون محليات مثل الستيفيا خيارًا ألطف، لكن من الأفضل دائمًا استشارة الطبيب قبل اختيار أي بديل.
الخاتمة
بدائل السكر الصناعية تُمثّل خيارًا مثيرًا للجدل بين مؤيدين يرون فيها وسيلة لتقليل السعرات وتحسين الصحة، ومعارضين يخشون آثارها الجانبية المحتملة على المدى الطويل. وفي ظل تضارب الدراسات، تظل القاعدة الذهبية هي الاعتدال، وتجنّب الإفراط في استخدامها دون حاجة واضحة، خاصة مع توافر بدائل طبيعية أقل إثارة للجدل.
إن كنت تفكر في استخدام بدائل السكر، فمن الأفضل استشارة اختصاصي تغذية لتحديد الخيار الأنسب لحالتك الصحية. وتذكّر أن تحقيق نمط حياة صحي لا يعتمد فقط على نوع المُحلّي، بل على التوازن العام في النظام الغذائي والنشاط البدني.